حازم سعيد :
جملة ترددت في الآونة الأخيرة على لسان بعض المتحاملين وكثير من المؤيدين لثورتنا المباركة من متعجلي قراءة الأحداث، وظنوا أن الثورة المصرية قد فشلت بسبب ما تشهده البلاد من مجموعة من الأحداث التي اعتبروها علامة على فشل الثورة في تحقيق إنجازات حقيقية على أرض الشارع .
بعض المتحاملين انتهزوا الفرصة وبثوا الأراجيف حول فشل الثورة ، وأن أيام مبارك كانت أرحم لمصر والمصريين ، وأن الناس وقتها كانت ( لاقية تاكل ) ، أما الآن فها هي البلد تغلى وتفور وتضطرب و .... والناس ( هتبيع هدومها ) إلى آخر سيل الترهات .. أما هؤلاء فلا يستحقون مجرد الرد ، رغم امتلاء الجعبة بما هو كافٍ ليفحمهم ..
وإنما تعنى هذه المقالة بالحديث إلى جمهور الأصدقاء والمؤيدين والمتعاطفين مع ثورتنا المباركة .. وإليهم نوجه الكلمات فنقول :
إن ما يجرى هذه الأيام من أحداث ووقائع كلها تؤكد عكس ما ذهب إليه المتعجلون ، بل إنها تمثل أوثق دلالة على قيام الثورة بتحقيق نجاحات ذهبت إلى أبعد مما كان يحلم به أحدنا.
وإن ما يحدث هذه الأيام من قلاقل واضطرابات ومؤامرات تدبر بليل لهو مصداق سنن الله الكونية في تدافع أهل الحق وأهل الباطل ، وهو ( الفرفرة الأخيرة ) للذبيحة التي هي هنا الطابور الخامس من أعداء الثورة وأنصار النظام القديم البائد الذين يحركون الأحداث من وراء الستار – كمحاولة يائسة – لإعادة عجلة الزمان إلى ما كانت عليه قبل الثورة .
إن مثل ما يفعله هؤلاء كمثل الذبيحة حين تكون انتفاضتها الأخيرة قبل خروج الروح هي الأقوى ، ولو تعرضت لصدمتها حينها فقد يكسر لك ساعد أو ساق .
مؤامرات تدبر بليل ..
الأيام الأخيرة شهدت مجموعة من الأحداث العجيبة التي حاكها أولئك الأشرار في جنح الظلام واتفقوا عليها ، كان منها :
الهجوم على السجون والأقسام ومحاولة تهريب المحتجزين والمساجين ، والنجاح في بعض ذلك ، تبعه حوادث انفلات أمنى وبلطجة وسرقات في وضح النهار لشقق سكنية ومحلات وسيارات ، ووصل الأمر لسرقة سيارات بكاملها وتفكيكها .
صحب ذلك غياب واسع – إلا من قلة من الشرفاء – من قبل الشرطة والداخلية بأقسامها كلها من مباحث إلى مرور ، رغم المؤتمرات التي عقدها الإخوان والقوى الوطنية لمد جسور التعاون بين الشعب والشرطة ، بل إن أنباءاً شبه مؤكدة تقول بأن هناك أوامر يصدرها رجال شرطة برتبة لواءات في وظائف مديري أو مساعدي مديري أمن لكافة رتب ودرجات رجال الشرطة بألا يتحركوا وألا يظهروا في الصورة طالما استمرت محاكمات قتلة الثوار من ضباط الشرطة .
تبع ذلك أو صحبه فتنة امبابة واعتصامات الأقباط أمام ماسبيرو ، وقد تناولناها في مقالة سابقة بما يكفى .
على نفس المستوى من الخطورة سارت أزمة الجاز وما وراءها من مشاكل من تزاحم على محطات البنزين وغلق الطرق أمام السيارات وتشاجرات واعتداءات على بعض السيارات من قبل البلطجية لسرقة الجاز من السيارات .
جاء بعد ذلك محاولة بث القلاقل وإثارة الجماهير بتسريب شائعات مختلفة حول الحكمة من وراء إطلاق سراح سوزان أو زكريا – وهى التي سرعان ما خمدت بإعادة التحقيق معه وحبسه شهراً كاملاً - أو شائعات العفو عن مبارك وما هو متوقع من إهاجة الجماهير وإغاظتهم في الوقت ذاته نتيجة هذه الشائعة – والتي سرعان ما كذبها المجلس العسكري ، وحول بعض مروجيها للنيابة العسكرية وهو التصرف المحمود الذى هدأ من نيران فتنة متوقعة - .
في نفس السياق جاء الحدثان - الأقل تهييجاً - والمتفاوتين من ناحية الخطورة على الثورة وهما مؤتمر العلمانيين والذى تحدثنا عنه في المقالة السابقة ، ثم المسيرات المؤيدة ( من آحاد أو عشرات ) لحسنى مبارك والتي لا تستحق مجرد التعليق عليها .
دلالات هذه الأحداث ..
دلالات هذه الأحداث كلها كثيرة ولكن يهمنا هنا أمران ، الأول وهو المرتبط بموضوع المقالة أن ما يحدث من هؤلاء لهو مصداق للسنن الكونية ، ولنتذكر جميعاً أن المنافقين لم يظهروا إلا في مجتمع المدينة حين سادت قيم العدل والحرية ، ولم يعد لأمثالهم جرأة على حرب أهل الحق ، فاضطروا لأن يكتموا كفرهم ويثيروا القلاقل وأحاديث الإرجاف ، وما حادثة الإفك لأمنا أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها إلا مصداق ذلك .
هذه الأحداث تعكس قلة جناح وحيلة أولئك المرجفين ، وهى أكبر دليل على نهايتهم وأنهم في النزع الأخير ، فلو كانوا يملكون حيلة أو يستطيعون سبيلاً لما امتنعوا عنه ، ولكن لأنهم قلة ولأنهم لم يعودوا قادرين على المواجهة والإعلان عن أنفسهم فقد اهتدوا للمؤامرات والدسائس والاضطرابات التي تحاك بليل ، ولأنها تدبر في الظلام فإنها تخرج خالية من نور البصيرة ولا تكون محكمة التدبير ، ولا تفلح مع المؤمنين ..
تلك هي الدلالة الأولى ومنها نستمد البشارة بأن ما يحدث هو دليل على نجاح ثورتنا المباركة ، ولسوف نفرد في المقالة القادمة عن بعض سنن الله في التغيير – من آيات الكتاب الحكيم - والتي منها أن التغيير يأتي للمؤمنين بنجاحات فوق ما كانوا يحلمون به ، وسنسرد فيها بعضاً من هذه النجاحات – إن شاء الله -
أما الدلالة الثانية ، فتتمثل في أن هذه الدسائس والقلاقل ما زالت تجد أرضاً خصبة ممتدة وكثيرة – رغم ذهابها جفاءاً – من عموم الناس ، وهذا يعنى أن على الدعاة المخلصين الاستمرار في العمل على إرشاد هؤلاء الناس إلى ما يصلحهم في الدنيا والآخرة ، وأن الطريق طويل يحتاج إلى جهاد مستمر ، وأن ما نحن فيه الآن ليس تمكيناً ، وإنما هو بداية العمل الحقيقي ، فلقد انتقلنا من فترة التضييق والحصار إلى فترة العمل والانطلاق لهداية هؤلاء الحيارى وإرشادهم إلى طريق الله رب العالمين ..
المطلوب من الثوار
تقودنا هذه الدلالة إلى التفكر فيما ينبغي على الثوار والشرفاء فعله إزاء هذه المؤامرات ، فنسرد بعضاً منها ونترك للقراء الكرام التفكر في المزيد ..
أولاً : عدم تسرب اليأس إلى نفوسنا ، وإن حدث الثورة في حد ذاته لأكبر دليل على الأمل وعلى أن التغيير هو بيد الله ، وما كان منحة من الله فلا ينبغي للعبد أبداً أن يخشى من فواته فإن خزائن الله واسعة ولا تنفذ – إلا إذا استجلب العبد على نفسه الأسباب الموجبة لضيق الرزق من معصية الله وغيرها - ،
كما أننا كنا قبل الثورة نقول أن هذا الشعب أمامه كثير لينتفض ، فإذا بانتفاضته تذهب لأبعد مما كنا نتخيل ، فلننح الحسابات المجردة جانباً ، ولننظر إلى الجزء الممتلئ من الكوب ، ونستمر في العمل والعطاء .
ثانياً : الصمود أمام المرجفين وعدم ترك الفرصة لهم ليرتعوا ، والتعامل الدائم مع كل المواقف برجولة وشجاعة وإيجابية وكذلك التعامل بما يمتلكه كل واحد منا من مبادئ وقيم عليا على مستوى السلوك الميداني مع الناس في الشارع ، فإذا ما رأينا بلطجياً واجهناه ، وإن متنا فنحن شهداء ، وإذا رأينا سرقة أو تخريباً تصدينا له .. وهكذا .
ثالثاً : نشر الأمل وروح المستقبل الوثاب بعد الثورة في نفوس كل المحيطين بنا ، ولتكن ثقافة عامة ، ما نعتقده نحن نعمل على نشره بالحكمة والموعظة الحسنة بين الآخرين ، فإذا تفاءلنا فلننشر التفاؤل في محيط الأخرين ، والحكمة الدائمة عندنا : " أصلح نفسك ، وادع غيرك " .
رابعاً : أخذ زمام المبادرة في التعامل مع المجتمع ومع كل طوائفه ، والاستمساك بمبادئ دعوتنا السامية ، وإحداث مشاريع تنموية ومجتمعية تبنى بلدنا مصر وتعمل على نهضتها ، وتفجر طاقات المصريين وتستثمرها في العمل البناء .
أخيراً وليس آخراً : فضح المرجفين والمنافقين والطابور الخامس والوقوف لهم بالمرصاد على المستوى الإعلامي ، وعدم السماح لهم بترديد الأكاذيب والأراجيف دون تناولها بالرد والتفنيد ، بل والهجوم لفضح دسائسهم ومؤامراتهم كما فعلنا في المقالة السابقة التي تفضح مؤتمر العلمانيين ، وكما فعل الأستاذ فهمى هويدي في مقالته فتش عن التمويل والأستاذ محمد كمال في مقالته المنشورة بأكثر من موقع الكتروني منذ أيام بعنوان " الليبراليون يصدرون أزماتهم للإسلاميين " .. والله الموفق إلى سواء السبيل .
==========
Hazemsa3eed@yahoo.com